أين يذهب الإنسان بعد الموت؟

25/07/2023

أين يذهب الإنسان بعد الموت؟

هل يجوز الحزن والبكاء على الميت؟

ما طبيعة النعيم والعذاب؟ ما هي صيغة التعزية في المسيحيّة



 مات لعازر وحملته الملائكة، (الملائكة هي تحمل أرواح المؤمنين) إلى حضن إبراهيم (إشارة لمكان القدّيسين وقربهم كعائلة متحابّة كقرب الطفل لأبية عندما يضعه على حضنه ويهتم به بحرص كي لا يسقط بل يناغيه ويلاعبه، فالولد غالي جداً


 الغني في الهاوية رفع عينيه لينظر إلى لعازر


فالمكان واحد أي الجحيم لكن هناك موضعين أسفل وأعلى، هذا ما نستنتجه من قول الربّ يسوع عن الغني (فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الْجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ) فالأشرار في الأسفل والأبرار في الأعلى


 قوله : "وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ" فهناك مسافة كبيرة بين المكانين


 قال الغني لإبراهيم : "يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي" هناك عذاب للأشرار وتعب لضميرهم


لكن العذاب ليس هو الشواء بالنار وسلخ الجلد إلخ.. ممّا ما تصوّره بعض الديانات الأخرى، بل هو نتيجة حرمانهم من نعيم الله الَّذي وعد به الأبرار ، فالأشرار يشاهدون الأبرار يتنعمون بالفرح والحب الإلهي دونهم


بناءً على ما سبق يجب أن نأخذ بالحسبان أنّ بعض النصوص الإنجيليّة تُفسّر رمزيًّا كوصف السيّد المسيح العذاب الأبدي "الظلمة الخارجية" (مت ٨: ١٢، ٢٥: ٣٠) إشارة لظلام جهنّم، لكن في موضع آخر ذكر السيّد المسيح عبارة "أتون النار" (مت ١٣: ٤٢، ١٣: ٥٠) فهل جهنّم كلّها ظلام؟ كيف ذلك وهناك النار أي الضياء!؟


إذاً جهنّم موضع عذاب للأشرار، والظلام

 والنار كناية عن العذاب الأبديّ




هل الأموات يعرفون بعضهم بعد الممات؟


نعم الأموات يعرفون بعضهم ويتذكَّرون أحبَّائهم الَّذين معهم أو الَّذين مازالوا في الحياة الأرضيّة ، كما عرف الغني لعازر جاره، وعرف أيضاً إبراهيم الَّذي كان قبله بمئات السنين




هل الأموات يعرفون أهلهم ويشعرون بوجوب خلاص أحبَّائهم الَّذين لم يموتوا؟


نعم، لذلك طلب الغني من إبراهيم أن يرسل لعازر إلى بيته لأنّ له خمسه أخوة عسى أن يتوبوا ويؤمنوا بالحياة الثانية عندما يسمعون إختبار لعازر العائد من الموت


في طقس القدّاس الإلهي بحسب نافورة مار يعقوب أخو الربّ، بعد أن ينهي الشمّاس تذكار والدة الإله والقدّيسين، يقول الكاهن "...نذكرهم ليذكرونا أمامك ويشاركونا بهذه الذبيحة الروحانيّة..." نعم نحن نذكرهم على الأرض ونطلب شفاعة القدّيسين وبدورهم يذكرونا عند الله لتحقيق ماطلبناه





 هل يجوز البكاء والحزن على أمواتنا الراقدين؟


نعم يجوز ذلك فنحن بشر ونملك ما يميّزنا عن باقي الكائنات مثل المشاعر والأحاسيس والذكريات الجميلة واللحظات الممتعة الخاصة بكلّ فرد من العائلة أو المجتمع


السيّد المسيح بكى على لعازر حبيبه (يو ١١: ٣٥) وحبيب الرسل الإثني عشر، وتحنّن على أرملة نايين (لو ٧: ١٣) وحزن (مت ٢٦: ٣٧) ، كلّ هذه المشاعر الإنسانيّة تنسب لطبيعة الناسوت فالربّ يسوع المسيح شابهنا في كلِّ شيء عدا الخطيئة


لكن لا يجب المبالغة في الحزن، فاللِّباس الأسود مع الحزن والبكاء لسنوات عجيجة أمر لا يليق بمن يؤمن بالقيامة وفرحها، فهل هذه المبالغة تعبّر عن غضبنا من الله لأنَّه أخذ أحد أحبَّائنا؟ أم عدم محبَّتنا للمكان الَّذي سيكون فيه الراقد في الفردوس؟


المبالغة بالحزن هي صفة من لا رجاء له


"ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع، سيحضرهم الله ايضا معه"

(١ تس ٤: ١٣)


الرب يسوع عنده أماكن ومنازل كثيرة تسع كلّ أحبّائه "في بيت أبي منازل كثيرة" (يو ١٤: ٢)


فلنفرض مثلاً أنَّكم تمتلكون سلطة إعادة الميت إلى الحياة، فهل تعتقدون إذا ما طلبتم منهم العوده سيعودون؟ أم سيقولون لكم : أنتم الأموات ولسنا نحن، تعالوا و " ذوقوا وأنظروا ما أطيب الربّ" (مز ٣٤)




 

ماذا يوجد في الملكوت؟


يوجد في الملكوت كلّ شيء جميل ومفرح، وأهمّ شيء أنّنا سنكون مع الربّ يسوع المسيح بنفس جسده الممجَّد والمقام من الموت


لكنَّنا عاجزون عم وصف الجمال والحب الإلهيّ بسبب عجزنا عن وصف ما لم نشاهده ونسمع به من جمال وحبّ ولذّة روحيّة وهذا مبني على وصف مار بولس الرسول : "ما لم تر عين، ولم تسمع اذن، ولم يخطر على بال إنسان : ما أعدّه الله للّذين يحبونه" (١ كو ٢: ٩)


في الملكوت يقدّم لنا السيّد المسيح الأكاليل "كلّ واحد حسب عمله" (مت ١٦: ٢٧، رؤ ٢٢: ١٢) ، قال القدّيس أغسطينوس "سوف نرى الله وذلك شيء عظيم يصبح كل ما عداه تافهاً ولا قيمة له الفرح في بيت الله الأبديّ ، وفيه سعادة لنا لا تنقضي بل تستمر إلى الأبد ."




يقول القدّيس يوحنا في نهاية سفر الرؤيا عن الملكوت


"وأراني (الربّ يسوع) نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلّور، خارجاً من عرش الله والخروف (المسيح حمل الله)..... ٣ ولا تكون لعنة ما في ما بعد وعرش الله والخروف يكون فيها، وعبيده يخدمونه . ٤ وهم سينظرون وجهه، وإسمه على جباههم . ٥ ولا يكون ليل هناك، ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس، لأنّ الربّ الإله ينير عليهم، وهم سيملكون إلى أبد الآبدين." (رؤ ٢٢: ١- ٥) "ثم رأيت سماءً جديدة وأرضاً جديدة، لأنّ السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد في ما بعد. ٢ وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدّسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيَّأة كعروس مزيَّنة لرجلها. ٣ وسمعتُ صوتاً عظيماً من السماء قائلاً : هُوَّذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً، والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. ٤ وسيمسح الله كلَّ دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأنّ الأمور الأولى قد مضت "(رؤ ٢١: ١- ٤)




خادمة الربّ ن. غ

® خدّام الربّ